(1) ذكريات مؤلمة
وجه مدفون بين كفين ملأى بالدموع.. قلبٌ يرتجف كورقة خريفية مآلها السقوط.. دموعٌ تنهمر بغزارة في صمت رهيب.. تنهار من مآقي عينه كالسيول الجارفة مشبعة بمرارة مضنية.. آلام غائرة مستكنة في قرارة نفسه.. هموم وغموم رابضة على قلبه.. ! الليل يتأوه لحزنه.. لكربه.. موجاتٌ من الندم والحسرة تهدر أعماقه بل تمتد فتقبض أنفاسه..! كم عصفت به أعاصير الهوى فحركت مركبه حيث شاءت.. حيث العوج الخُلقي.. حيث السطو على العواطف.. حيث تلّون القلب بالأقذار..!
كم انتابه ذاك السعار الملهوف.. وتلك الشهوات المجنونة فبصمت على آثارها.. كم مرة خلع فيها خير لباس.. لباس التقوى، وتدثر بذلك الثوب الخلِق.. البالي.. القذر.. المزركش بتلك الخطايا..!
كم خطفته تلك النشوة المؤقتة إلى منزلقٍ خطير.. بل إلى منحدر سحيق حيث التمرغ بأوحال الخطايا والآثام..!
ها هي مقابر الأحزان تلتف حول عنقه.. ها هو بين الحين والحين يحمل الأكفان المثقلة بأجساد الذكريات النتنة.. العفنة..
والآن..
أسئلة سوَّرت قلب ذلك العبد الفقير.. فتحت بوابة إلى مدخل في ذاكرته.. مدخل موحش تعلقت على جدرانه آثام..
قال لي: هل يغفر الله لي..!
قلت: (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
قال: لكن ذنوبي عظيمة… كثيرة..
قلت: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات).
قال: والذكريات رابضة.. جاثمة على عقلي.. رائحتها زكمت أنفي.. ثقلها يقبض نفسي..؟
قلت: عليك أن تشد تلك الذكريات وتدفنها في مقبرة الاستغفار.. وفي سجدات الأسحار..
قال: نعم.. صدقت.. سأتوشح بحسام التوبة وبرمح الأوبة.. سأعمل تقطيعاً بتلك الذكريات التي تكبلني.. سأمزقها إرباً إربا..!
ثم استغرقتُ أرتل بخشوع (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم).
عندها كغضبة الجمر في ليلة شاتية قارسة.. امتلأ ثقةً ورجاءً بعفو الله.. أصبح متفائلاً كالصباح.. مؤملاً فرحاً بمغفرة المولى كعشبة بريّة تطرب لأنشودة المطر.. غدا أكثر صبراً من الصبار على الآلام..!
ثم قال: حقاً لن يمسح الجراح المنفتحة في زفة الأحزان سوى الإيمان بتبديل السيئات إلى حسنات والصبر خير ذخر..
ثم سَكَت وسَكتُّ [1]
(2) الشيخ سليمان الثنيان(المخرج السينمائي سابقا) [2]
من الهندسة الكيميائية والإخراج السينمائي بألمانيا إلى كلية الشريعة بالرياض، هذه باختصار رحلة الشيخ سليمان الثنيان من الضياع والتخبط إلى الهداية والإيمان.
كانت البداية.. ابتعاث الدكتور سليمان الثنيان إلى ألمانيا لدراسة الهندسة الكيميائية، وهناك حدث التحول الأول في حياته، حيث وجد أن دراسة الكيمياء ليست كافية، وأراد أن يدرس شيئاً جديداً يستطيع التأثير من خلاله، فنصحه عددٌ من الأساتذة الألمان بدراسة الفن والتخصص في الإخراج السينمائي. وبروح التحدي استطاع أن يستكمل دراسة الهندسة الكيميائية، وفي نفس الوقت كان يدرس السينما والتلفزيون والمسرح.
ثماني سنوات قضاها في دراسة هذه الفنون، وضع خلالها منهجاً للدراسة يتيح له الحصول على المعلومات والمهارة الفائقة في مجال الإخراج وذلك بمساعدة متخصصين ألمان ودرس في عدة معاهد فنية وفي الأكاديمية الوطنية للسينما والمسرح والتليفزيون.
ونترك الحديث للدكتور الثنيان ليحدثنا عن رحلته يقول: لم أترك مجالاً يحتاجه المخرج إلا ودخلته، فقد التحقتُ بمدارس ركوب الخيل وقيادة السفن ودخلتُ معاهد التمثيل والموسيقى، ودرستُ أنواع الصوت وجزئيات الإضاءة والمؤثرات الصوتية والملابس والديكور، وبذلك أنهيتُ المرحلة الأولى بنجاح، وبدأتُ المرحلة الثانية التي تميزتْ بالممارسة العملية من إخراج وتصوير وعمليات مسرحية وإنتاج فكري وكتابة قصص، وباليوم والساعة أنهيتُ هذه المرحلة، وبنهايتها انهالتْ عليّ العروض من (مسرح شلرد) ومن بعض الشركات لكي أعمل فيها كمخرج أو مساعد مخرج أو ممثل لفترة معينة.
ولكني لم أستجب لهذه العروض… فقد حدث تحول ثان في حياتي، فقد التقيتُ بمدير عام التليفزيون السعودي في ذلك الوقت الذي طلب مني العودة مع وعدٍ منه بأنني سوف أنتج أشياء جديدة، ولم تكن طموحاتي هي مجرد إخراج فيلم أو مسرحية، وإنما كنتُ أريد أن أقوم بأعمال أُسمِعُ من خلالها كلمة الإسلام والمسلمين للعالم أجمع، ومن هنا كانت استجابتي السريعة بالعودة.
عملتُ في التليفزيون السعودي أربع سنوات، ومثلتُ بلادي في مؤتمر (جينس) بميونج وكان حول دور التليفزيون في تربية الشباب، وفي عام 1396هـ، قررتُ أن أترك مجال الإعلام، لأنني وجدتُ أنني لن أحقق طموحي من خلال الإعلام التليفزيوني، فالسينما كانت أحبُ إلى نفسي، لأن إمكاناتها هائلة، وكانت (المادة) تقف حائلاً أمام تحقيق هذا الطموح، حيث إنني لم أجد إلا المال المشروط بالربح التجاري.
سنة ونصف السنة قضيتها بعد ذلك في حالة تردد. جاءتني الكثير من العروض التجارية ورفضتها تماماً، وفي إحدى رحلاتي من القصيم إلى الرياض حدث التحول الثالث، كان الوقت ضحى، وكنت في سيارتي، حيث رأيت سروراً عظيماً، وشعرتُ كأنني كنتُ مغمض العينين وأزيحتِ الغشاوة عني، لقد رأيتُ الدنيا من جديد وكدتُّ أطير فرحاً تعذبتُّ عاماً ونصف العام وها هو الخير أراه أمامي أصابني شيء من البكاء والضحك من شدة سعادتي، فقررتُ أن أستدرك بقية عمري وأن أتصل بالله سبحانه وتعالى ورأيت أنه لابدّ من العلم، وهذا ما تعودتُّه منذ طفولتي، فأنا لا أعمل شيئاً إلا بالعلم، وحتى أحقق ذلك عزمت على دراسة الشريعة والعلم الشرعي دراسة متعمقة.
انطلقت إلى كلية الشريعة وأنا في غاية الفرح والنشوة، قالوا لي: لك أن تقدم للدراسات العليا إن شئت. قلتُ لهم: لا.. أريد أن أبدأ الرحلة من أولها، أي من الصف الأول. وهذا ما حدث.. انتظمتُ في الدراسة حتى حصلتُ على البكالوريوس. دون أن أتغيبَ يوماً واحداً وبعد ذلك حصلتُ على الماجستير، ثم جاءت مرحلة الدكتوراه، وانتهيتُ منها في فترة وجيزة.
توقع الجميع ألا أصمد في دراسة الشريعة لصعوبتها، خاصةً وأنني -في رأيهم- تعودت على الشهرة والمال، وقالوا لي: ستعرف يوماً أنك أخطأت الطريق، ولن تتحمل الكراسي الخشبية التي تجلس عليها لتدرس الشريعة، ولكن بحمد الله حدث العكس، لم يكن يمر يوم إلا وتزداد رغبتي في الدراسة، ولم أندم لحظة واحدة على تغيير مسار حياتي.
ثم يضيف: إني مستعد في أي لحظة أن أعود إلى الإعلام، إذا ناسب ما أريد، دعني أقول لك رأيي فيما يطرح حالياً من أفلام في السوق العربية، كثير من هذه الأفلام كلام فارغ وعمل رخيص لا يستحق العرض وبذل المال، وضياع الوقت في مشاهدتها، إنها تسلب العقل وتضيع الفكر، وتجعل الإنسان يتخبط دون وعي أو بصيرة.
لم أر مثيلاً للدول العربية في تخبطها في إنتاج الأفلام. كلٌ ينتج ما يريد دون ضوابط أخلاقية أو دينية أو اجتماعية، أنها أفلام هابطة في معناها وتعبيرها وفي طريقة عرضها وأبعادها.
ثم يعقب الدكتور الثنيان بقوله: إنني مستعد أن أستغنى عن أدوار النساء تماماً، وقد جربت ذلك في مسرحية (خادم سيدين) حيث استغنيت فيها عن النساء تماما، واستعضت عن الموسيقى بمؤثرات وأشياء خاصة بالإيقاع تغني عن الموسيقى، بل أضعاف ما تعطيه الموسيقى.
ويضيف: إنني أستطيع أن ألغي دور أمرأة وأعوّضه بما هو أحسن منه، وأخرج أي عمل بواسطة الرجال، ويكون ذا تأثير وقوة ومتعة للمشاهد، وأجمع فيه بين الفكر والعلم والمتعة. وهذا هو النموذج مسرحية (خادم سيدين)، وهي في الأصل مليئة بالنساء والمواقف الطريفة، وقد استبعدت أدوار النساء منها، وجعلتها بالعربية الفصحى، وأعجب الناس بها.
وعموماً فإن تجربة المسرح الذي من العنصر النسائي ليست تجربة جديدة بل هي تجربة يتميز بها المسرح السعودي بعامة والذي استطاع على امتداد ثلاثين عاماً على الأقل أن يقدم عشرات المسرحيات التي تخلو من العنصر النسائي، وقد نجح في هذا تماماً بل إن أمريكا مسرحاً يقدم تجارب جيدة وهو يخلو من النساء أيضاً، المهم هو الفن ليس المرأة.
(3) توبة الممثل محسن محيي الدين وزرجته نسرين [3]
لقد أصبح الفن الرخيص في زمننا هذا وسيلة للكسب المادي، وتجارة رابحة، على حساب الغافلين والمغفلين من أبناء هذه الأمة، هذا إلى كونه من أعظم الوسائل لهدم القيم والأخلاق وتحطيمها.. ولقد ظهرتْ في السنوات الأخيرة ظاهرة أقلقت تجار الفن والغرائز وجعلتهم يفقدون صوابهم ويطلقون كل ما في جعبتهم من الإشاعات والتهم الباطلة دفاعاً عن كيانهم المتداعي وبنيانهم المنهار.. تلكم الظاهرة هي عودة كثير من الممثلين والممثلات أو ما يمسـون بالفنانين والفنانات [4] إلى الله -عز وجل- وإعلانهم بالتوبة والهروب من تلك الأوساط العفنة إلى أجواء الإيمان بالعقبة الطاهرة، وكان من آخر هؤلاء التائبين الممثل محسن محيي الدين وزوجته الممثلة المشهورة نسرين.
وقد روى الممثل سابقاً محسن محيي الدين قصته مع الهداية فقال: (أنا شاب كغيري من الشباب، تخبطي في فترات حياتي السابقة كان ناتجاً عن انبهاري بمظاهر الحياة الخادعة والتي أعمتْ بصري وأصمَّتْ أذني عن معرفة أشياء كثيرة كنتُ أجهلها؛ خاصةً وأني لم أكن أقرأ من قبل على الرغم من أن الله تعالى بدأ أول آية أنزلها بكلمة: (اقرأ) .. وبعد أن بدأت أقرأ في كتب الدين شعرت بأنني من أجهل خلق الله، وقد كنتُ أعتقد أنني من المثقفين.. فأخذت أقرأ بنهم شديد في كتب السيرة والتراث والتفسير.. وبعد هذه القراءة المتأنية وجدتُّ أن المؤثرات المحطية بي جعلتني في ضلال مبين، فكان قراري باعتزال التمثيل.. وقد شجعني على اتخاذه ارتداء زوجتي الحجاب الذي كنت أسعد الناس به).
ثم يضيف: (هذا القرار -إن شاء الله- لا رجعة فيه لأني اتخذته بكامل اقتناعي وإرادتي، وندمت لأنني تأخرت فيه حتى الآن، فأضواء ليست غالية حتى أحنّ إليها مرة أخرى.. فالشهرة والمال والأضواء لا تساوي ركعتين لله...).
ثم يضيف:
(إننا اعتزلنا ونحن في القمة الزائفة.. فقد كان قرارنا بعد مهرجان القاهرة السينمائي الذي أقيم في العام الماضي، وبعد النجاح الكبير الذي حققناه، وليس لأننا لم نجد أدواراً نمثلها كما يقول البعض.. وقد أدركنا الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع وهي أن الإنسان مهما طال عمره فمصيره إلى القبر، ولا ينفعه في الآخرة إلا عمله الصالح).
ثم يوجه نصيحته لإخوانه الشباب قائلا:
(سامحوني على كل ما قدمتُ لكم من أعمال فنية سابقة لا ترضي الله -عز وجل- ولا تقتدوا بي في ما كنتُ أفعله في مسلسلاتي وأفلامي فقد كنت ضالاً جاهلاً، والجاهل لا يقتدى به).
أما زوجته الممثلة نسرين فقد قررتْ الاعتزال وارتداء الحجاب بعد أن رأتْ أمها رؤيا في المنام، حيث رأتْ والد نسرين وهو غاضب على ابنته، فاستنتجت الأم أن سبب غضبه تقصير نسرين في أداء الصلاة بانتظام مما جعل نسرين تراجع نفسها وترجع إلى الله.
تقول نسرين: (الحمد لله.. كان يومي يضيع دون إحساس بالسعادة ودون أن أشعر بالسلام.. والآن ليس لدي وقت كافٍ.. لأن هناك أموراً كثيرة نافعة يجب اللحاق بها.. لقد وجدت السلام الداخلي).
وفي لقاء أجري معها قالت: (الناس مليئة بالريا والفسوق ويظهرون الفجور.. كيف نتعامل معهم؟) ولعلها تعني الناس الذين كانت تتعامل معهم في (الوسط الفني).
وقالت أيضاً: (لقد كرم الله المرأة التي ترتدي الحجاب وهو يحميها من القلوب المريضة والفسوق.. وعلى الأقل إنها ليست نافذة عرضٍ متحركة ليتفرج الناس عليها ويعجبوا بها).
وجه مدفون بين كفين ملأى بالدموع.. قلبٌ يرتجف كورقة خريفية مآلها السقوط.. دموعٌ تنهمر بغزارة في صمت رهيب.. تنهار من مآقي عينه كالسيول الجارفة مشبعة بمرارة مضنية.. آلام غائرة مستكنة في قرارة نفسه.. هموم وغموم رابضة على قلبه.. ! الليل يتأوه لحزنه.. لكربه.. موجاتٌ من الندم والحسرة تهدر أعماقه بل تمتد فتقبض أنفاسه..! كم عصفت به أعاصير الهوى فحركت مركبه حيث شاءت.. حيث العوج الخُلقي.. حيث السطو على العواطف.. حيث تلّون القلب بالأقذار..!
كم انتابه ذاك السعار الملهوف.. وتلك الشهوات المجنونة فبصمت على آثارها.. كم مرة خلع فيها خير لباس.. لباس التقوى، وتدثر بذلك الثوب الخلِق.. البالي.. القذر.. المزركش بتلك الخطايا..!
كم خطفته تلك النشوة المؤقتة إلى منزلقٍ خطير.. بل إلى منحدر سحيق حيث التمرغ بأوحال الخطايا والآثام..!
ها هي مقابر الأحزان تلتف حول عنقه.. ها هو بين الحين والحين يحمل الأكفان المثقلة بأجساد الذكريات النتنة.. العفنة..
والآن..
أسئلة سوَّرت قلب ذلك العبد الفقير.. فتحت بوابة إلى مدخل في ذاكرته.. مدخل موحش تعلقت على جدرانه آثام..
قال لي: هل يغفر الله لي..!
قلت: (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
قال: لكن ذنوبي عظيمة… كثيرة..
قلت: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات).
قال: والذكريات رابضة.. جاثمة على عقلي.. رائحتها زكمت أنفي.. ثقلها يقبض نفسي..؟
قلت: عليك أن تشد تلك الذكريات وتدفنها في مقبرة الاستغفار.. وفي سجدات الأسحار..
قال: نعم.. صدقت.. سأتوشح بحسام التوبة وبرمح الأوبة.. سأعمل تقطيعاً بتلك الذكريات التي تكبلني.. سأمزقها إرباً إربا..!
ثم استغرقتُ أرتل بخشوع (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم).
عندها كغضبة الجمر في ليلة شاتية قارسة.. امتلأ ثقةً ورجاءً بعفو الله.. أصبح متفائلاً كالصباح.. مؤملاً فرحاً بمغفرة المولى كعشبة بريّة تطرب لأنشودة المطر.. غدا أكثر صبراً من الصبار على الآلام..!
ثم قال: حقاً لن يمسح الجراح المنفتحة في زفة الأحزان سوى الإيمان بتبديل السيئات إلى حسنات والصبر خير ذخر..
ثم سَكَت وسَكتُّ [1]
(2) الشيخ سليمان الثنيان(المخرج السينمائي سابقا) [2]
من الهندسة الكيميائية والإخراج السينمائي بألمانيا إلى كلية الشريعة بالرياض، هذه باختصار رحلة الشيخ سليمان الثنيان من الضياع والتخبط إلى الهداية والإيمان.
كانت البداية.. ابتعاث الدكتور سليمان الثنيان إلى ألمانيا لدراسة الهندسة الكيميائية، وهناك حدث التحول الأول في حياته، حيث وجد أن دراسة الكيمياء ليست كافية، وأراد أن يدرس شيئاً جديداً يستطيع التأثير من خلاله، فنصحه عددٌ من الأساتذة الألمان بدراسة الفن والتخصص في الإخراج السينمائي. وبروح التحدي استطاع أن يستكمل دراسة الهندسة الكيميائية، وفي نفس الوقت كان يدرس السينما والتلفزيون والمسرح.
ثماني سنوات قضاها في دراسة هذه الفنون، وضع خلالها منهجاً للدراسة يتيح له الحصول على المعلومات والمهارة الفائقة في مجال الإخراج وذلك بمساعدة متخصصين ألمان ودرس في عدة معاهد فنية وفي الأكاديمية الوطنية للسينما والمسرح والتليفزيون.
ونترك الحديث للدكتور الثنيان ليحدثنا عن رحلته يقول: لم أترك مجالاً يحتاجه المخرج إلا ودخلته، فقد التحقتُ بمدارس ركوب الخيل وقيادة السفن ودخلتُ معاهد التمثيل والموسيقى، ودرستُ أنواع الصوت وجزئيات الإضاءة والمؤثرات الصوتية والملابس والديكور، وبذلك أنهيتُ المرحلة الأولى بنجاح، وبدأتُ المرحلة الثانية التي تميزتْ بالممارسة العملية من إخراج وتصوير وعمليات مسرحية وإنتاج فكري وكتابة قصص، وباليوم والساعة أنهيتُ هذه المرحلة، وبنهايتها انهالتْ عليّ العروض من (مسرح شلرد) ومن بعض الشركات لكي أعمل فيها كمخرج أو مساعد مخرج أو ممثل لفترة معينة.
ولكني لم أستجب لهذه العروض… فقد حدث تحول ثان في حياتي، فقد التقيتُ بمدير عام التليفزيون السعودي في ذلك الوقت الذي طلب مني العودة مع وعدٍ منه بأنني سوف أنتج أشياء جديدة، ولم تكن طموحاتي هي مجرد إخراج فيلم أو مسرحية، وإنما كنتُ أريد أن أقوم بأعمال أُسمِعُ من خلالها كلمة الإسلام والمسلمين للعالم أجمع، ومن هنا كانت استجابتي السريعة بالعودة.
عملتُ في التليفزيون السعودي أربع سنوات، ومثلتُ بلادي في مؤتمر (جينس) بميونج وكان حول دور التليفزيون في تربية الشباب، وفي عام 1396هـ، قررتُ أن أترك مجال الإعلام، لأنني وجدتُ أنني لن أحقق طموحي من خلال الإعلام التليفزيوني، فالسينما كانت أحبُ إلى نفسي، لأن إمكاناتها هائلة، وكانت (المادة) تقف حائلاً أمام تحقيق هذا الطموح، حيث إنني لم أجد إلا المال المشروط بالربح التجاري.
سنة ونصف السنة قضيتها بعد ذلك في حالة تردد. جاءتني الكثير من العروض التجارية ورفضتها تماماً، وفي إحدى رحلاتي من القصيم إلى الرياض حدث التحول الثالث، كان الوقت ضحى، وكنت في سيارتي، حيث رأيت سروراً عظيماً، وشعرتُ كأنني كنتُ مغمض العينين وأزيحتِ الغشاوة عني، لقد رأيتُ الدنيا من جديد وكدتُّ أطير فرحاً تعذبتُّ عاماً ونصف العام وها هو الخير أراه أمامي أصابني شيء من البكاء والضحك من شدة سعادتي، فقررتُ أن أستدرك بقية عمري وأن أتصل بالله سبحانه وتعالى ورأيت أنه لابدّ من العلم، وهذا ما تعودتُّه منذ طفولتي، فأنا لا أعمل شيئاً إلا بالعلم، وحتى أحقق ذلك عزمت على دراسة الشريعة والعلم الشرعي دراسة متعمقة.
انطلقت إلى كلية الشريعة وأنا في غاية الفرح والنشوة، قالوا لي: لك أن تقدم للدراسات العليا إن شئت. قلتُ لهم: لا.. أريد أن أبدأ الرحلة من أولها، أي من الصف الأول. وهذا ما حدث.. انتظمتُ في الدراسة حتى حصلتُ على البكالوريوس. دون أن أتغيبَ يوماً واحداً وبعد ذلك حصلتُ على الماجستير، ثم جاءت مرحلة الدكتوراه، وانتهيتُ منها في فترة وجيزة.
توقع الجميع ألا أصمد في دراسة الشريعة لصعوبتها، خاصةً وأنني -في رأيهم- تعودت على الشهرة والمال، وقالوا لي: ستعرف يوماً أنك أخطأت الطريق، ولن تتحمل الكراسي الخشبية التي تجلس عليها لتدرس الشريعة، ولكن بحمد الله حدث العكس، لم يكن يمر يوم إلا وتزداد رغبتي في الدراسة، ولم أندم لحظة واحدة على تغيير مسار حياتي.
ثم يضيف: إني مستعد في أي لحظة أن أعود إلى الإعلام، إذا ناسب ما أريد، دعني أقول لك رأيي فيما يطرح حالياً من أفلام في السوق العربية، كثير من هذه الأفلام كلام فارغ وعمل رخيص لا يستحق العرض وبذل المال، وضياع الوقت في مشاهدتها، إنها تسلب العقل وتضيع الفكر، وتجعل الإنسان يتخبط دون وعي أو بصيرة.
لم أر مثيلاً للدول العربية في تخبطها في إنتاج الأفلام. كلٌ ينتج ما يريد دون ضوابط أخلاقية أو دينية أو اجتماعية، أنها أفلام هابطة في معناها وتعبيرها وفي طريقة عرضها وأبعادها.
ثم يعقب الدكتور الثنيان بقوله: إنني مستعد أن أستغنى عن أدوار النساء تماماً، وقد جربت ذلك في مسرحية (خادم سيدين) حيث استغنيت فيها عن النساء تماما، واستعضت عن الموسيقى بمؤثرات وأشياء خاصة بالإيقاع تغني عن الموسيقى، بل أضعاف ما تعطيه الموسيقى.
ويضيف: إنني أستطيع أن ألغي دور أمرأة وأعوّضه بما هو أحسن منه، وأخرج أي عمل بواسطة الرجال، ويكون ذا تأثير وقوة ومتعة للمشاهد، وأجمع فيه بين الفكر والعلم والمتعة. وهذا هو النموذج مسرحية (خادم سيدين)، وهي في الأصل مليئة بالنساء والمواقف الطريفة، وقد استبعدت أدوار النساء منها، وجعلتها بالعربية الفصحى، وأعجب الناس بها.
وعموماً فإن تجربة المسرح الذي من العنصر النسائي ليست تجربة جديدة بل هي تجربة يتميز بها المسرح السعودي بعامة والذي استطاع على امتداد ثلاثين عاماً على الأقل أن يقدم عشرات المسرحيات التي تخلو من العنصر النسائي، وقد نجح في هذا تماماً بل إن أمريكا مسرحاً يقدم تجارب جيدة وهو يخلو من النساء أيضاً، المهم هو الفن ليس المرأة.
(3) توبة الممثل محسن محيي الدين وزرجته نسرين [3]
لقد أصبح الفن الرخيص في زمننا هذا وسيلة للكسب المادي، وتجارة رابحة، على حساب الغافلين والمغفلين من أبناء هذه الأمة، هذا إلى كونه من أعظم الوسائل لهدم القيم والأخلاق وتحطيمها.. ولقد ظهرتْ في السنوات الأخيرة ظاهرة أقلقت تجار الفن والغرائز وجعلتهم يفقدون صوابهم ويطلقون كل ما في جعبتهم من الإشاعات والتهم الباطلة دفاعاً عن كيانهم المتداعي وبنيانهم المنهار.. تلكم الظاهرة هي عودة كثير من الممثلين والممثلات أو ما يمسـون بالفنانين والفنانات [4] إلى الله -عز وجل- وإعلانهم بالتوبة والهروب من تلك الأوساط العفنة إلى أجواء الإيمان بالعقبة الطاهرة، وكان من آخر هؤلاء التائبين الممثل محسن محيي الدين وزوجته الممثلة المشهورة نسرين.
وقد روى الممثل سابقاً محسن محيي الدين قصته مع الهداية فقال: (أنا شاب كغيري من الشباب، تخبطي في فترات حياتي السابقة كان ناتجاً عن انبهاري بمظاهر الحياة الخادعة والتي أعمتْ بصري وأصمَّتْ أذني عن معرفة أشياء كثيرة كنتُ أجهلها؛ خاصةً وأني لم أكن أقرأ من قبل على الرغم من أن الله تعالى بدأ أول آية أنزلها بكلمة: (اقرأ) .. وبعد أن بدأت أقرأ في كتب الدين شعرت بأنني من أجهل خلق الله، وقد كنتُ أعتقد أنني من المثقفين.. فأخذت أقرأ بنهم شديد في كتب السيرة والتراث والتفسير.. وبعد هذه القراءة المتأنية وجدتُّ أن المؤثرات المحطية بي جعلتني في ضلال مبين، فكان قراري باعتزال التمثيل.. وقد شجعني على اتخاذه ارتداء زوجتي الحجاب الذي كنت أسعد الناس به).
ثم يضيف: (هذا القرار -إن شاء الله- لا رجعة فيه لأني اتخذته بكامل اقتناعي وإرادتي، وندمت لأنني تأخرت فيه حتى الآن، فأضواء ليست غالية حتى أحنّ إليها مرة أخرى.. فالشهرة والمال والأضواء لا تساوي ركعتين لله...).
ثم يضيف:
(إننا اعتزلنا ونحن في القمة الزائفة.. فقد كان قرارنا بعد مهرجان القاهرة السينمائي الذي أقيم في العام الماضي، وبعد النجاح الكبير الذي حققناه، وليس لأننا لم نجد أدواراً نمثلها كما يقول البعض.. وقد أدركنا الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع وهي أن الإنسان مهما طال عمره فمصيره إلى القبر، ولا ينفعه في الآخرة إلا عمله الصالح).
ثم يوجه نصيحته لإخوانه الشباب قائلا:
(سامحوني على كل ما قدمتُ لكم من أعمال فنية سابقة لا ترضي الله -عز وجل- ولا تقتدوا بي في ما كنتُ أفعله في مسلسلاتي وأفلامي فقد كنت ضالاً جاهلاً، والجاهل لا يقتدى به).
أما زوجته الممثلة نسرين فقد قررتْ الاعتزال وارتداء الحجاب بعد أن رأتْ أمها رؤيا في المنام، حيث رأتْ والد نسرين وهو غاضب على ابنته، فاستنتجت الأم أن سبب غضبه تقصير نسرين في أداء الصلاة بانتظام مما جعل نسرين تراجع نفسها وترجع إلى الله.
تقول نسرين: (الحمد لله.. كان يومي يضيع دون إحساس بالسعادة ودون أن أشعر بالسلام.. والآن ليس لدي وقت كافٍ.. لأن هناك أموراً كثيرة نافعة يجب اللحاق بها.. لقد وجدت السلام الداخلي).
وفي لقاء أجري معها قالت: (الناس مليئة بالريا والفسوق ويظهرون الفجور.. كيف نتعامل معهم؟) ولعلها تعني الناس الذين كانت تتعامل معهم في (الوسط الفني).
وقالت أيضاً: (لقد كرم الله المرأة التي ترتدي الحجاب وهو يحميها من القلوب المريضة والفسوق.. وعلى الأقل إنها ليست نافذة عرضٍ متحركة ليتفرج الناس عليها ويعجبوا بها).
الإثنين مارس 02, 2015 1:18 am من طرف الشامخ الكثيري
» دعــــاء
الأحد يناير 04, 2015 4:37 pm من طرف ريتاج
» شرح كيفيه دخول رومات الشات عن طريق برنامج النمبز nimbuzz من جهاز الكمبيوتر
الجمعة أكتوبر 12, 2012 7:01 am من طرف زمن المصالح
» توقف القلم
الخميس ديسمبر 22, 2011 1:26 pm من طرف دمعة فرح
» معلــــومه+صورة لنتشارك
الثلاثاء ديسمبر 20, 2011 8:47 pm من طرف دمعة فرح
» رحيلك ياأمي
الثلاثاء نوفمبر 29, 2011 6:41 am من طرف دمعة فرح
» اهنيكم بعيدنا الفطر السعيد
الثلاثاء أغسطس 30, 2011 9:43 am من طرف دمعة فرح
» حنظله غسيل الملائكه رضى الله عنه
الثلاثاء يوليو 19, 2011 5:28 pm من طرف دمعة فرح
» اي نوع قلمك ؟؟؟
الخميس يونيو 09, 2011 1:53 pm من طرف دمعة فرح
» ترويض الكلب ( قصيرة )
الإثنين مايو 30, 2011 6:56 am من طرف ماهر طلبه