صحراء للركض و الظمأ يا أبت ، و أخرى للجنون و العمى ... و
أنا ممزق الأوصال أحمل جثة أخي فوق كتفي ، أجوب الشوارع الموحشة ضحى ،
أفتش عن مكان نظيف بالضواحي أواري فيه الجثمان طي الكتمان .
لا طريق يقود خطاي ، فالأرض حولي انزلاق أبدا ، و الغربان تملأ سماي ، تئد موتاي.
خرجت من ذاتي لأدخل ذاتي عشية سواد ، أحدق في الوجود فلم أبصر إلا عدما
يطال الأشياء بالريح و الرماد ، و صدى نعيب بوم يتداعى في الأرجاء، أنا
الزافر من الأعماق دمعة تتحجر في الأحداق، اللابس كفنا أعدوه لي ليلة
الميلاد، اللابد في محطات الصمت أنتظر قطارا لا يأتي.
أشد خيوط حذائي و أسهو قليلا، ينتصب أمامي قمر ملطخ بالدخان و النباح.
أتذكر جديلة طفلتي تقفز فوق ساقية الدم، ثم في ومض البرق تختفي، و لا أجد
مكانا أبحث فيه عن بقية من جديلة.
لا شيء غير وجه باك تعلق في الذاكرة قبيل الرحيل، ثم انطوى.. لاخطوة لي...
واقف أمام المرآة يطالعني وجه لا اعرفه... أسائله من يكون؟ فيشافهني بعجمة
لا تبين، في ثنايا الوجه انطباع من انكسر مرغوما، أو انتصر مزعوما، ثم
قهقه مجنونا، لا يبالي أن يكون ، أو أن يحمل الوطن على أكتاف الشهداءء
للقائم بالأعمال في روما...
لا شيء سوى طفل ابتسم هنيهة ثم في فجاءة فظة انشوى... لم يعد للشمس مستقر
في روحي أو للظلمة ، إنما هو لون مثل الرماد ، أو حال كالعتاد المعطل ، أو
بسمة ارتسمت ثم تجمدت، أو بين بين بين، أو كلام سمعته فصدقته ثم كذبته
فاحترقت بين الشك و اليقين . كذلك وجهي لا ضاحك و لا باك يطالعني الآن من
المرآة مبهوتا ، مكبوتا بسنين الخذلان و الوقف ، بالخطابة و التصفيق،
بالفظاظة وضبط النفس ليالي الحريق.
في الغرفة الضيقة يجف في الريق، ألتوي تفجعا ، تتثعبن أصابعي المكدودة
بألف عين تشد شعري، تلتوي على أيامي المتهاوية في أمسي الرمس، الضائعة في
حاضري الزغدب، المترامية في غدي الغيهب.
يتساقط شعري أوراقا يذروها الفناء... أٍريد أغفو قليلا... توقظني صورتها
مرعوبة تلثغ بأسماء من ذبحوها تقفز فوق ساقية الدم فتختفي الجديلة...
و تغمرني الأنباء... تحشرني في الزاوية ... تدق عنقي... تطالعني وجوههم
الذئبية على الشاشة يرسم ملامحها فحيح حدق تاريخي سحيق، وجوه مكشرة ،
مقعرة ، متلمظة ، تتجشأ دما.
أخرج عن ذاتي أسائلها إن كانت تدرك ذاتها؟
و يدار الجواب في فمي زمزمة مجوسية أن المقبرة بلا نهاية.
و أراني أمر مساء على جسر عبدالله تلاحقني اللعنة، أتراهم يدركون هويتي
خلف قبورهم ؟ أحدق في المقبرة تستقبل الراحلين إليها اغتصابا ، هم غابوا
غيابا مفجعا و أنا تحدق في شواهدهم بلا رحمة ... تتسمر قدماي و تأخذني ريح
مرة ... أراهم يخرجون من قبورهم صامتين عرايا ، كل واقف عند شاهده يواري
سوأته بكفيه ، يصوبون نحوي عيونا مطفأة ... أتحسس ملابسي ... أود لو
ينطقون ... لو أسائلهم ما بهم واجمين ؟ عن الطفلة الصغيرة ذات الضفائر
الجذلى إن كانت بينهم ؟ عن كذا أحد طمسناه أعوام الطلاسم الطوال ، فيخونني
لساني .
وكأنهم يقرأون ما يدور في خلدي فيشيحون ...
و توقظني رائحة جثة أخي المتعفنة تحت السرير. لم يبق من الأرض مكان أدفنها
فيه. و أسأل أي فرق بينها و بيني؟ إة كان لزاما دفنها فأي حيز سيحويني؟ و
أهرب كقط مقهور إلى زاوية الغرفة. تلوح صورتي في المرآة مقلوبة ،يداخلني
الشك في قواي العقلية، أمتحنها فأسأل نفسي عن تاريخ اليوم، عن الزمن الذي
أعيشه، أهو زمني أم تمططت إليه متثائبا فعلى عيني الغشاوة؟
و تردد الغرفة جلجلة ضحكتي الخاوية... أنطح الجدار... أتحسس ندوب الخذلان
و الغدر على الوجه و في الظهر، ثم أقف عاريا خجولا أمام أحفادي.
-من أنت؟
يقهرني السؤال فتخذلني قدماي:
حلم جميل راودني يا أبت طويلا، نذرت له العمر سنينا: الشمس و القمر لي
ساجدان و خلفي يزهو عشرون كوكبا فتاج فصولجان ، لم أسألك تأويلا أو أتخذ
كتمانا، نقشته في الروح و الوجدان ثم نشرته فيهم بيانا، في نقوش ألواحنا،
في أرضنا و سمانا. و لما أوشك الأمر أن يكون كانوا علي صلبانا.
و توقظني ضحكتي المجنونة يا أجدادي القتلى بسيوفنا، فأمد عنقي إلى جثة أخي تزكمني بالعفونة.
أين أدفنه؟
أفي عباءتنا المرقعة بالصمت و التواطئ أم في الأرض التي ضاقت بشهدائها؟
و تأخذني ريح حزينة، أود لو أبكي قليلا، فدموعي الساعة أحقاب تتهاوى في
أطلال روحي الموبوءة بالعناكب و البوم من طنجة إلى تخوم الروم...
أسحب الجثة من تحت السرير، أسندها فتتهرأ من حيث أقيمها، لم يبق من ملامح
الوجه إلا تعبير وحيد حفظته أيام كنا صغارا في ساحة المدرسة نصطف أشبالا
نتلو نشيد الوطن على إيقاع آمال نسجتها أمنا في حلكة ليالي الصقيع و
الشجن. كانت تدفعنا في كل الجهات و تباركنا: انتشروا مثل البذرة الطيبة،
قدركم أن تكونوا أو تزولوا.
و كما يقرأ موسى ألواحه على جيش من المردة يا ضفيرة طفلتي القتيلة فلا أعثرعلى مكان أبحث فيه عنك.
أتذكر الجثة المنتفخة بين يدي تسد علي المكان، أحفر لها قبرا وسط الغرفة، أدفنها و أكتب على الشاهد:" مات في القرن السادس للهجرة."
أحس بالضيق و الاندثار، أتدثر بشيبي و بقية من الزمن، أفك نفسي من قبر
أخي، أغلق الباب خلفي، يئز كما انكسر الحلم في قلبي... يسلمني الطريق إلى
دمار و بقايا حريق... خطوة... و يوقفني من تحت الأنقاض الأنين... ها هنا
قبر آخر رتبته يد متوحشة... أرتل سورة الفاجعة... أحدق في ذاتي... أراني
قبرا يسعى... يلوح لي في آخر البطحاء أطفال بعدد النجوم... تتقدمهم طفلتي
تهجز ضفائرها على صدرها... في عيونهم ضياء تتوضأ فيه الملائكة...أطفال من
كل الجهات... فوق كل الأنقاض... لنشيدهم هزيم يفلق السماء...
أدفع نفسي نحوهم... أتحسس ذراعي... لا أجدها... أسقط ... لا أعرف ما بقي مني....
لكني أسمعهم جليا يرتلون نشيد الوطن القادم.
أنا ممزق الأوصال أحمل جثة أخي فوق كتفي ، أجوب الشوارع الموحشة ضحى ،
أفتش عن مكان نظيف بالضواحي أواري فيه الجثمان طي الكتمان .
لا طريق يقود خطاي ، فالأرض حولي انزلاق أبدا ، و الغربان تملأ سماي ، تئد موتاي.
خرجت من ذاتي لأدخل ذاتي عشية سواد ، أحدق في الوجود فلم أبصر إلا عدما
يطال الأشياء بالريح و الرماد ، و صدى نعيب بوم يتداعى في الأرجاء، أنا
الزافر من الأعماق دمعة تتحجر في الأحداق، اللابس كفنا أعدوه لي ليلة
الميلاد، اللابد في محطات الصمت أنتظر قطارا لا يأتي.
أشد خيوط حذائي و أسهو قليلا، ينتصب أمامي قمر ملطخ بالدخان و النباح.
أتذكر جديلة طفلتي تقفز فوق ساقية الدم، ثم في ومض البرق تختفي، و لا أجد
مكانا أبحث فيه عن بقية من جديلة.
لا شيء غير وجه باك تعلق في الذاكرة قبيل الرحيل، ثم انطوى.. لاخطوة لي...
واقف أمام المرآة يطالعني وجه لا اعرفه... أسائله من يكون؟ فيشافهني بعجمة
لا تبين، في ثنايا الوجه انطباع من انكسر مرغوما، أو انتصر مزعوما، ثم
قهقه مجنونا، لا يبالي أن يكون ، أو أن يحمل الوطن على أكتاف الشهداءء
للقائم بالأعمال في روما...
لا شيء سوى طفل ابتسم هنيهة ثم في فجاءة فظة انشوى... لم يعد للشمس مستقر
في روحي أو للظلمة ، إنما هو لون مثل الرماد ، أو حال كالعتاد المعطل ، أو
بسمة ارتسمت ثم تجمدت، أو بين بين بين، أو كلام سمعته فصدقته ثم كذبته
فاحترقت بين الشك و اليقين . كذلك وجهي لا ضاحك و لا باك يطالعني الآن من
المرآة مبهوتا ، مكبوتا بسنين الخذلان و الوقف ، بالخطابة و التصفيق،
بالفظاظة وضبط النفس ليالي الحريق.
في الغرفة الضيقة يجف في الريق، ألتوي تفجعا ، تتثعبن أصابعي المكدودة
بألف عين تشد شعري، تلتوي على أيامي المتهاوية في أمسي الرمس، الضائعة في
حاضري الزغدب، المترامية في غدي الغيهب.
يتساقط شعري أوراقا يذروها الفناء... أٍريد أغفو قليلا... توقظني صورتها
مرعوبة تلثغ بأسماء من ذبحوها تقفز فوق ساقية الدم فتختفي الجديلة...
و تغمرني الأنباء... تحشرني في الزاوية ... تدق عنقي... تطالعني وجوههم
الذئبية على الشاشة يرسم ملامحها فحيح حدق تاريخي سحيق، وجوه مكشرة ،
مقعرة ، متلمظة ، تتجشأ دما.
أخرج عن ذاتي أسائلها إن كانت تدرك ذاتها؟
و يدار الجواب في فمي زمزمة مجوسية أن المقبرة بلا نهاية.
و أراني أمر مساء على جسر عبدالله تلاحقني اللعنة، أتراهم يدركون هويتي
خلف قبورهم ؟ أحدق في المقبرة تستقبل الراحلين إليها اغتصابا ، هم غابوا
غيابا مفجعا و أنا تحدق في شواهدهم بلا رحمة ... تتسمر قدماي و تأخذني ريح
مرة ... أراهم يخرجون من قبورهم صامتين عرايا ، كل واقف عند شاهده يواري
سوأته بكفيه ، يصوبون نحوي عيونا مطفأة ... أتحسس ملابسي ... أود لو
ينطقون ... لو أسائلهم ما بهم واجمين ؟ عن الطفلة الصغيرة ذات الضفائر
الجذلى إن كانت بينهم ؟ عن كذا أحد طمسناه أعوام الطلاسم الطوال ، فيخونني
لساني .
وكأنهم يقرأون ما يدور في خلدي فيشيحون ...
و توقظني رائحة جثة أخي المتعفنة تحت السرير. لم يبق من الأرض مكان أدفنها
فيه. و أسأل أي فرق بينها و بيني؟ إة كان لزاما دفنها فأي حيز سيحويني؟ و
أهرب كقط مقهور إلى زاوية الغرفة. تلوح صورتي في المرآة مقلوبة ،يداخلني
الشك في قواي العقلية، أمتحنها فأسأل نفسي عن تاريخ اليوم، عن الزمن الذي
أعيشه، أهو زمني أم تمططت إليه متثائبا فعلى عيني الغشاوة؟
و تردد الغرفة جلجلة ضحكتي الخاوية... أنطح الجدار... أتحسس ندوب الخذلان
و الغدر على الوجه و في الظهر، ثم أقف عاريا خجولا أمام أحفادي.
-من أنت؟
يقهرني السؤال فتخذلني قدماي:
حلم جميل راودني يا أبت طويلا، نذرت له العمر سنينا: الشمس و القمر لي
ساجدان و خلفي يزهو عشرون كوكبا فتاج فصولجان ، لم أسألك تأويلا أو أتخذ
كتمانا، نقشته في الروح و الوجدان ثم نشرته فيهم بيانا، في نقوش ألواحنا،
في أرضنا و سمانا. و لما أوشك الأمر أن يكون كانوا علي صلبانا.
و توقظني ضحكتي المجنونة يا أجدادي القتلى بسيوفنا، فأمد عنقي إلى جثة أخي تزكمني بالعفونة.
أين أدفنه؟
أفي عباءتنا المرقعة بالصمت و التواطئ أم في الأرض التي ضاقت بشهدائها؟
و تأخذني ريح حزينة، أود لو أبكي قليلا، فدموعي الساعة أحقاب تتهاوى في
أطلال روحي الموبوءة بالعناكب و البوم من طنجة إلى تخوم الروم...
أسحب الجثة من تحت السرير، أسندها فتتهرأ من حيث أقيمها، لم يبق من ملامح
الوجه إلا تعبير وحيد حفظته أيام كنا صغارا في ساحة المدرسة نصطف أشبالا
نتلو نشيد الوطن على إيقاع آمال نسجتها أمنا في حلكة ليالي الصقيع و
الشجن. كانت تدفعنا في كل الجهات و تباركنا: انتشروا مثل البذرة الطيبة،
قدركم أن تكونوا أو تزولوا.
و كما يقرأ موسى ألواحه على جيش من المردة يا ضفيرة طفلتي القتيلة فلا أعثرعلى مكان أبحث فيه عنك.
أتذكر الجثة المنتفخة بين يدي تسد علي المكان، أحفر لها قبرا وسط الغرفة، أدفنها و أكتب على الشاهد:" مات في القرن السادس للهجرة."
أحس بالضيق و الاندثار، أتدثر بشيبي و بقية من الزمن، أفك نفسي من قبر
أخي، أغلق الباب خلفي، يئز كما انكسر الحلم في قلبي... يسلمني الطريق إلى
دمار و بقايا حريق... خطوة... و يوقفني من تحت الأنقاض الأنين... ها هنا
قبر آخر رتبته يد متوحشة... أرتل سورة الفاجعة... أحدق في ذاتي... أراني
قبرا يسعى... يلوح لي في آخر البطحاء أطفال بعدد النجوم... تتقدمهم طفلتي
تهجز ضفائرها على صدرها... في عيونهم ضياء تتوضأ فيه الملائكة...أطفال من
كل الجهات... فوق كل الأنقاض... لنشيدهم هزيم يفلق السماء...
أدفع نفسي نحوهم... أتحسس ذراعي... لا أجدها... أسقط ... لا أعرف ما بقي مني....
لكني أسمعهم جليا يرتلون نشيد الوطن القادم.
الإثنين مارس 02, 2015 1:18 am من طرف الشامخ الكثيري
» دعــــاء
الأحد يناير 04, 2015 4:37 pm من طرف ريتاج
» شرح كيفيه دخول رومات الشات عن طريق برنامج النمبز nimbuzz من جهاز الكمبيوتر
الجمعة أكتوبر 12, 2012 7:01 am من طرف زمن المصالح
» توقف القلم
الخميس ديسمبر 22, 2011 1:26 pm من طرف دمعة فرح
» معلــــومه+صورة لنتشارك
الثلاثاء ديسمبر 20, 2011 8:47 pm من طرف دمعة فرح
» رحيلك ياأمي
الثلاثاء نوفمبر 29, 2011 6:41 am من طرف دمعة فرح
» اهنيكم بعيدنا الفطر السعيد
الثلاثاء أغسطس 30, 2011 9:43 am من طرف دمعة فرح
» حنظله غسيل الملائكه رضى الله عنه
الثلاثاء يوليو 19, 2011 5:28 pm من طرف دمعة فرح
» اي نوع قلمك ؟؟؟
الخميس يونيو 09, 2011 1:53 pm من طرف دمعة فرح
» ترويض الكلب ( قصيرة )
الإثنين مايو 30, 2011 6:56 am من طرف ماهر طلبه