قال جدي عندما اختلفت مع أخي على كسرة خبز:
- احذروا جفاف الوقت!!
.. وجف شتاء المدينة, فخشع الناس.. ابتهلوا وصلوا في العراء صلاة
الاستسقاء.. استجابت السماء وأجهضت الغيم عن غيث وفير لم يتوقف نهارين
وليلة..فغرقت المدينة..صارت الشوارع سيولا دافقات, حبست الناس في البيوت,
وضرب البرد العباد مع غياب الوقود والكهربا وحتى حطب المواقد والمجامر..
تساءل الخلق:
"هل هو غيث غضب! أم غضب رحمة..؟ ".. ولم يستجيبوا لدعوة منادي الأمير لإقامة صلاة وقف المطر.. ومنهم من تجرأ وصرخ في وجه المنادي :
- كيف نسأل الله أن يرفع عنا رحمة السماء؟
فقبضوا عليه وسحلوه, فاختلفت مع أخي حول طريقة السحل, ولم نتوقف عن الشجار حتى مات الرجل..
ضحك جدي:
- هدنة مؤقتة يا صابئين..!! كيف يسحل الأخ أخاه؟؟
وجدي هذا صام عن الكلام منذ أكثر ستين سنة, وصبر على جور صقيع الثلجة*
التي ضربت خيام اللاجئين في الهجرة الأولى.. فقد خلع ثوبه الوحيد وقضى
الليل عاريا كما ولدته أمه, ليس عن جنون أو بلل لحق ثوبه, أو حتى نجاسة
طارئه, بل لأنه لف بالثوب ابنه الذي باضته جدتي عسرا تلك الليلة, وابنه
هذا هو أبي الأعسر الوحيد بين إخوته والذي ورثته الثلجة أخف الأذى فأصبح
المحسود بين اقرنه, إذ ورثة الثلجة اصطكاك الأسنان كلما وقعت عينه على
قطعة ثلج, أو لامست شفتاه الماء البارد.. لذلك كان جدي يقول:
- لن تفارق عبد الله الرجفة حتى يتدفأ على نار حطب زيتون عسقلان عند أعتاب ولي الله الشيخ عوض..
وبعد أن حلت النكسة بالعرب, وتوحدت الأراضي الفلسطينية من جديد تحت الاحتلال, قال جدي:
- لعله خير..
وفي أربعينية أول شتاء أعقب النكسة إصطحب ابنه الذي هو أبي عبد الله إلى
المقام, واحتطب من فروع الزيتون الجافة وأشعل النار.. وأمر عبد الله أن
يتدفأ على النار عاريا كما ولدته أمه بين يدي صاحب المقام, الذي لا يخذل
طالب رحمة أو صاحب حاجة.. ولكنهم حاصروا المقام واصطحبوا أبي عاريا.. ورجع
جدي بثياب أبي صامتا, وقضى أبي عقوبة السجن بتهمة التخريب..
وظل أبي في حيرة من أمرة يبحث عن سبب اعتقاله وما زال.. ولكنه سجل في
القوائم الأولى من المعتقلين.. فتباهينا به وأصبحنا أبناء المناضل..
ومرت الأيام وكبرنا أنا وأخي حتى اختلفنا.. فتحجرت الدموع في مقلتي جدي
منذ نشب الخلاف بيني وبين أخي على كسرة الخبز, واندلقت دموعه مثل
سيل,عندما دخلنا معمعة الاقتتال..
وفي يوم خرجنا من المعمعة مصابين..فخرج جدي عن صمته, قال:
- على ماذا الخلاف؟
- على فتح وحماس
- وعسقلان؟
صرخ جدي.. وسقط.. أخذتنا الصرخة إلى الصمت.. نهض جدي تعرى كما ولدته أمه.. وأقام صلاة الاستخارة وحيدا..
----
* عام الثلجة في تقويم أهالي غزة هو العام 1950 حيث تساقط الثلج بصورة لم
تعهدها الديار الغزية وسببت الريح اقتلاع خيام اللاجئين, ما نتج عنه موت
عدد كبير من العباد أغلبهم من الأطفال الرضع, ولأن تسجيل المواليد كان
بذخا تعرفه المدينة فقط, اعتبر الناس عام الثلجة فاصلا بين ما قبله وما
بعده,
- احذروا جفاف الوقت!!
.. وجف شتاء المدينة, فخشع الناس.. ابتهلوا وصلوا في العراء صلاة
الاستسقاء.. استجابت السماء وأجهضت الغيم عن غيث وفير لم يتوقف نهارين
وليلة..فغرقت المدينة..صارت الشوارع سيولا دافقات, حبست الناس في البيوت,
وضرب البرد العباد مع غياب الوقود والكهربا وحتى حطب المواقد والمجامر..
تساءل الخلق:
"هل هو غيث غضب! أم غضب رحمة..؟ ".. ولم يستجيبوا لدعوة منادي الأمير لإقامة صلاة وقف المطر.. ومنهم من تجرأ وصرخ في وجه المنادي :
- كيف نسأل الله أن يرفع عنا رحمة السماء؟
فقبضوا عليه وسحلوه, فاختلفت مع أخي حول طريقة السحل, ولم نتوقف عن الشجار حتى مات الرجل..
ضحك جدي:
- هدنة مؤقتة يا صابئين..!! كيف يسحل الأخ أخاه؟؟
وجدي هذا صام عن الكلام منذ أكثر ستين سنة, وصبر على جور صقيع الثلجة*
التي ضربت خيام اللاجئين في الهجرة الأولى.. فقد خلع ثوبه الوحيد وقضى
الليل عاريا كما ولدته أمه, ليس عن جنون أو بلل لحق ثوبه, أو حتى نجاسة
طارئه, بل لأنه لف بالثوب ابنه الذي باضته جدتي عسرا تلك الليلة, وابنه
هذا هو أبي الأعسر الوحيد بين إخوته والذي ورثته الثلجة أخف الأذى فأصبح
المحسود بين اقرنه, إذ ورثة الثلجة اصطكاك الأسنان كلما وقعت عينه على
قطعة ثلج, أو لامست شفتاه الماء البارد.. لذلك كان جدي يقول:
- لن تفارق عبد الله الرجفة حتى يتدفأ على نار حطب زيتون عسقلان عند أعتاب ولي الله الشيخ عوض..
وبعد أن حلت النكسة بالعرب, وتوحدت الأراضي الفلسطينية من جديد تحت الاحتلال, قال جدي:
- لعله خير..
وفي أربعينية أول شتاء أعقب النكسة إصطحب ابنه الذي هو أبي عبد الله إلى
المقام, واحتطب من فروع الزيتون الجافة وأشعل النار.. وأمر عبد الله أن
يتدفأ على النار عاريا كما ولدته أمه بين يدي صاحب المقام, الذي لا يخذل
طالب رحمة أو صاحب حاجة.. ولكنهم حاصروا المقام واصطحبوا أبي عاريا.. ورجع
جدي بثياب أبي صامتا, وقضى أبي عقوبة السجن بتهمة التخريب..
وظل أبي في حيرة من أمرة يبحث عن سبب اعتقاله وما زال.. ولكنه سجل في
القوائم الأولى من المعتقلين.. فتباهينا به وأصبحنا أبناء المناضل..
ومرت الأيام وكبرنا أنا وأخي حتى اختلفنا.. فتحجرت الدموع في مقلتي جدي
منذ نشب الخلاف بيني وبين أخي على كسرة الخبز, واندلقت دموعه مثل
سيل,عندما دخلنا معمعة الاقتتال..
وفي يوم خرجنا من المعمعة مصابين..فخرج جدي عن صمته, قال:
- على ماذا الخلاف؟
- على فتح وحماس
- وعسقلان؟
صرخ جدي.. وسقط.. أخذتنا الصرخة إلى الصمت.. نهض جدي تعرى كما ولدته أمه.. وأقام صلاة الاستخارة وحيدا..
----
* عام الثلجة في تقويم أهالي غزة هو العام 1950 حيث تساقط الثلج بصورة لم
تعهدها الديار الغزية وسببت الريح اقتلاع خيام اللاجئين, ما نتج عنه موت
عدد كبير من العباد أغلبهم من الأطفال الرضع, ولأن تسجيل المواليد كان
بذخا تعرفه المدينة فقط, اعتبر الناس عام الثلجة فاصلا بين ما قبله وما
بعده,
الإثنين مارس 02, 2015 1:18 am من طرف الشامخ الكثيري
» دعــــاء
الأحد يناير 04, 2015 4:37 pm من طرف ريتاج
» شرح كيفيه دخول رومات الشات عن طريق برنامج النمبز nimbuzz من جهاز الكمبيوتر
الجمعة أكتوبر 12, 2012 7:01 am من طرف زمن المصالح
» توقف القلم
الخميس ديسمبر 22, 2011 1:26 pm من طرف دمعة فرح
» معلــــومه+صورة لنتشارك
الثلاثاء ديسمبر 20, 2011 8:47 pm من طرف دمعة فرح
» رحيلك ياأمي
الثلاثاء نوفمبر 29, 2011 6:41 am من طرف دمعة فرح
» اهنيكم بعيدنا الفطر السعيد
الثلاثاء أغسطس 30, 2011 9:43 am من طرف دمعة فرح
» حنظله غسيل الملائكه رضى الله عنه
الثلاثاء يوليو 19, 2011 5:28 pm من طرف دمعة فرح
» اي نوع قلمك ؟؟؟
الخميس يونيو 09, 2011 1:53 pm من طرف دمعة فرح
» ترويض الكلب ( قصيرة )
الإثنين مايو 30, 2011 6:56 am من طرف ماهر طلبه