** ملائكة من السماء تتكلم **
وإني في السجن القذر القبيح لا أعرف سبب مجيئي، سوى أنهم قالوا لي:
قد حكم عليك الموت بالإعدام شنقا.
جننت على ظلمهم لي وعلى قتلهم لشخص برئ من أي دم.
وأصبحت أوراق القدر تأكل بعضها، وتبرز غضبها نحو أيامي المتبقية، وأصبحت ساعة الموت والإنتقام مني تقترب.
فجاء شيخ قصير الذقن طويل مقامه وعلمني كلمات شرح لي فيها أمور الدنيا وربطها بالآخره، وفهمت منه معنى الصبر، وأخذ يطرح بأسئلته الكثيرة.
فقال:
مالذي أتى بك إلى هنا؟
فلم أجبه وأنا منكب على رأسي.
ثم قال: " قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله ".
رفعت جسدي وقلت: أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمد رسول الله.
فقال: أثبت عليها، ووضع يده على كتفي.
ثم قال: بماذا ترغب الآن؟
فقلت: أرغب في بعض الوقت، وأن تمهلوني أياما قبل التنفيذ.
خرج الليل من بيته يتفقد حال شعبه ويلم الأخبار الملونه الكاذبة، وصوت الكلاب في كل مكان، فوقي ومن تحتي رقرقعت الصرصار.
وإني في الغرفة المقرفة وحدي أتضجر بائسا ليس معي غير السكين والنافذة الصغيرة التي يطل منها القمر بعد منتصف الليل، وفراشة صغيرة بيضاء مضيئة تضيئ كلما خالطت ضوء القمر المبكوت.
وأنا جالس أخذت الأصوات تتعالى
"...مالذي أتى بك إلى هنا؟
حتى ظننت أني شاب منحرف يحب الإنحراف.
فقلت: هكذا حظي أحمق.. مثلي..!
فماذنبي إن عشقت الحب والقصيدة ، وماذنبي إن ارتكبت حبيبتي أعظم جريمة...؟
فسمعته يقول: وما نوع الجريمة؟
فقلت: أرجوك أن تدعني وشأني، وأن تدع سكيني إلى جانبي يقطعني بعضي.
فقال: هون على نفسك وقل ماخطبك..؟
فقلت: عشقت.
فقال: ومن لا يعشق.
فقلت: هناك من في الأرض لايعرفونه.
فقال: أوصفهم لي..!
فقلت: كيف وبما أبدأ..
بشفتيها..
أنهار من اللبن العذب مصفى أصفى من أديم السماء التي تنتصب فيها جداول الكوثر كلما جرعت منهما جرعة جرعت ماء الحياة، هما جداول تتحلى حوافها بخيوط من العسل اللذيذ الشهي كلما ذقتها عمت في نشوة خمرية مهذية، جداول من الأشجار والأنهار، والأنهار فيها سطور من نور وأحرف بيضاء تلتف حول زجاجة العنبر التي يخترقها غدير جميل تتكاثر حوله الزهور والفراش الراقص حول البلعوم الطويل الذي يمتد وكأنه عود من قصب السكر، فكلما نطقت بالهوى تسايلت قطرات المحبة، وكلما شعرت بضجر العيش ومرارتها، كنت أقترب من صورتها لأمضغ منها قطعت سكر أحلي بها مرارتي وأقتل يأسي العنيد، والبساط الأحمر الطري الشفاف لسانها التي تستريح عليه الكلمات وتتلون بجماله السطور على الأسنان اللامعة والمتالألئة وسط الظلام وكأنها أحجار ثمينه في الرمال الكثيفة المبتلة.
أم بخديها..
سواحل تزهو وتزدهر بالورود الحمراوية والصفراء البيضاوية والإرجوانية الزهرية الخمرية وألوان كثيرة متشابكة من العنف الشديد والكبرياء، وسهول متلاطخة الأشكال والأنوار كالبادية الخضراء التي يجول فيها الأطفال محبين للذئاب والضباع الرقطاء، سهول فيها صفحات من الذهب المتأجج والملتهب كاللهب للحب المكسور، وتكثر أكواب من البلور التي تشع عفة كالنور، وأقفاص للحمائم والنسور، فيها خدم حسان جميلون تنتقل معهم محاسنهم وأخلاقهم من مكان إلى مكان، والحياء وراءهم مختبئ في غرف الصيف والأمان،في تلك الغرف أناس أشداء عظماء، يضعون السيف موضع الندى ويضعون الندى موضع القدر، كالأفعى عمياء التي تتلوى في طريقها إلى الرصيف وكأنها ترسم خطا متعرجا يسلكه الناجون من سخط القدر وجنوده الأوفياء.
أم بأنفها الصغير..
الملتف كجرة صغيرة من الرحيق الممزوج بماء من واحة الحياء والمزروعة بأرض الحب الطاهر البرئ الذي لا يشوبها الأغراض والغايات، ولا تحيطه الريب والشكوك، فلطالما إشتاق القلب إفتخارا على كبريائها الذي يذوب فيه الحياء بين أجزائها الأنيقة التي تخشى أن تطلعنا على سريرة أناقتها.
والعين..عسلية صفراوية، جملتا بالطبيعة واقحوانها، وأحيط مرساها بشواطئ مبللة بماء الذهب الذي يحرسه جنود جميلون وأقوياء يحفظون الوعود، جنود يشقون الأرض بسيوفهم، فينفجر العشق صاعدا صوبي، أو بسهم يوجه رأسه ليصيبني حبها الأعمى.
والرموش.. أصابع الأريج وأقدام الحرير المبتل بماء الصبر، ورموش المها الفارة من عالم الخيال الذي يهيج الشعر في القلوب، فيها السهام والرماح التي تخترق الجسد كنسائم الأسحار، والتي ترقص فوق الأزهار كلما غنت الأطيار غناء الأغاريد لا غناء الأوتار.
والحاجب.. نصف القمر المثير قد تفرقا على محاور عينيها حتى أصبحت رائعة خلابة، فيهما الأصالة المتناهية والعراقة، فيهم عبقرية خطاط إغريقي يرسمها وعرافة، فيهم إبداع نحات دفن نفسه بأغبرتها، أما الطبيعة بإتقانها ترشق الألوان بين تلك الشظايا.
والجبين.. عالم مليئ بالطيور الجميلة والأزهار الرشيقة من شتى المحاسن، فيه الأنهار والدماء ودموع الفرح والشقاء، فيه الأعاصير والسحب والغمام، فيه شموسها الصفراء والبيضاء والحمراء وكل الأقمار السوداء المستوية.
أذنيها.. كالورد الجوري الملتف بداخلها نحلة طفولية جميلة سامة تقتل خيانة عينيها، فيهما الأعاصير الهادئة والنسائم الخفيفة التي يغمرها الندى ورقائق التنور، فيهما اللحن البسيط والجميل والمزامير المزمرة المدمرة، فيهما لغتي وصوتي وعشقي وصوري.
والوجه الجميل.. ملتف كمرآة السماء في ليلة القدر الصافية، فوق البساتين الزاهيه والقصور العامرة، وفوق الأحجار والأوراق والطرق الشائكة، والأشجار الطويلة اللامعة تتلألأ حول بقعتها ككوكب منير في بقعته الزرقاء، وجه جميل جماله سبق العلماء فهو من طرق أولا أفلاك السماء، هو رائع ومثير كوجه النسر مدهش يربط نفسه بجسد امرأة حسناء، طري شهي متسع لا تزوره الأ نجوم ملساء، فتودعها الأسرار، وتترك خبرا من السماء متى تخرج الشموس ومتى تسقط الأمطار على عالمها، وعالم الطيور والأقمار، فالأعشاش والأعارين والأوكار والينابيع وأضواء المصابيح والظلام والسعادة والأسرار وأقلام الشفتين وألغاز كثيرة ومفاتيح.
والشعر.. خيوط القيثارة وأوتار النغم العذب، يتمازج فيه العشق مابين الرقص والحياء، تتلاعب فيه النسائم والأنامل، خصلات ذهبية خروبية مبرومة كالعقد الجميل، هما سيف القضاء جرد لأكون صاحبه، وهي خيوطا جدلت على يد الدهر، فاشقراره يبدد ظلمة النفس، ويعكس كل بياض فيضئ كل شئ حوله، هو رمز التاريخ الحر، وهو أقدار يفتح باب القضاء، وهو حبال تشنقني بها كلما إشتقت إليها، وكأنها ترسل نداءا إلي بأن لا أشتاق.
والعنق الطويل.. قطعة صبرت على مرارتها حق الصبر، فذقت من حلاوته ما تقطع لأجله أعناق الرجال الرجال، إنه قمة سامية تسمو إلى أرقى درجات العشق، وتبلغ من خلاله صفة الإبداع والإتقان لذلك سبحان الله العظيم.. سبحان الله وما صنع.
والأكتاف.. البيضاء النحيلة الفولاذية، يتمايلان كلما شعرت بالخجل كأغصان النخيل، ويمارسان الرقص كالستائر في لحظات الدلال، فيهما إشارة للنصر والإعتزاز، وهما علامة للحب وساعات الإنتحار.
والأذرع الملساء.. سيوف الأقدار وكؤوس الأقمار، وأقلام كتب الزمان به آخر قرار، وأسلحة يلوذ منها الأعداء بالفرار، أياد كالقلائد، وسحب تسابقت إليها الأمطار، أياد وأنامل كحبات التمر عسلية، وأزهار تكون حروفا كتابية.
جسمها كحورية شفافة تقف على أمواج البحار مغنية بمزمارها الذهبي، أو أنها أفعى تلتف حول عود خشبي، لتقتل نفسي كلما رأيت محياها، ذكية ذكاؤها دفعها إلى الجريمة العظمى، فكان شجاعا إذا قتل، وذكيا فطنا إذا سرق، وكثيرا مايحب أن يرى صورة وجهه في مرآته وجها أبيضا سليما، ثم يتمنى لو دام هذا الجمال، فجمالها من أرباب الثراء والنعمة، وجسمها يضم بين جناحيه فتاة ماضمت الأجسام بين أجنحتها مثيلا بحسنه وبهائه وصفوه، لذلك وقع بي ألما من الوجد مالم أستطع معه صبرا.
والنفس.. التي لم تزل مجهولة، فما رأيت أشبه بالسواد من بياضها، ولم أرى نورا أقرب إلى الظلمة من نورها، لذلك بغضت كل بياض حتى وإن كان بياض القمر، وبغضت كل سواد ونور وإن كان نور البصر.
والعواطف.. لديها دفينة دفينه، وحجرية قاسية، تتألم لمناظر البؤس ومصارع الشقاء، فهي لاتعرف الحقد والدهاء، فحبها المكنوز بداخلها وجمالها الظاهر قد أوقع بي حيث أنا لتمتلكني فأحببتها ولأجلها أحببت صديقاتها وأحببت عائلتها.
وقدرها.. أحبه أيضا لأنه أحب قدري، فنصب إلي مكيدة الحب لينقلني من عالم الأموات والمجهولين إلى عالم الأحياء العالمين، لا بل طمر حفرة القبر التي كادت تلمني بداخلها، كان علي أملا ضئيل كمصباح ضئيل، ذلك القدر تبا له لم يهدأ ساعة ولا لحظة عن تصديع رأسي وتمزيق فؤادي بصواعقه التي يمطرها علي دموعا كل يوم من سماء الصحف التي إن إنتهيت من كتابة إحداها... بدأت بالأخرى.
ثم سمعته يقول:
" كفى يابني كفى فقد صدعت رأسي.. رغم أني أفهم ماقلت إلا أنني حزنت عليك فعلا -ثم قال-على هذا الوصف يابني
هنيئا لك السجن الذي تكابده، وهنيئا لك كل ظلام وسواد، مادمت أنت هاهنا ".
وفي صباح اليوم التالي جاءت الساعة التي ينتظرها الجميع، ووقوفي أماما الحشد والعيون ممتلئة بالغبار والدمع، وأنا أستغفر ربي وأردد قولي:
دنيتي.. دنيتي...
كيف يطيب لي المقام في أرض موحشة لا أجد فيها أنيسا يساهرني غير أنيسي وأنيسك وأنيس حبيبتي غير هذا القمر؟
وكيف لا أجد فيها جليسا يجالسني غير أنيسي وأنيسك وأنيس حبيبتي غير هذا القلم ؟
وسقط عرش ذلك الشاب وذاب بعد أن قطع حبل المصيدة الملتف حول العنق في الصحراء الشقراء.
ثم قال الشيخ بعدها:
تلك حبيبته رأيتها يوم قرأت:
" مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى ".
ثم دار ظهره وتلاشى ذلك الجسد رويدا.. رويدا.
وربما كما قيل: " أن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان".
عاااااااااااااااشق الاحزاااااااااااااااااان
وإني في السجن القذر القبيح لا أعرف سبب مجيئي، سوى أنهم قالوا لي:
قد حكم عليك الموت بالإعدام شنقا.
جننت على ظلمهم لي وعلى قتلهم لشخص برئ من أي دم.
وأصبحت أوراق القدر تأكل بعضها، وتبرز غضبها نحو أيامي المتبقية، وأصبحت ساعة الموت والإنتقام مني تقترب.
فجاء شيخ قصير الذقن طويل مقامه وعلمني كلمات شرح لي فيها أمور الدنيا وربطها بالآخره، وفهمت منه معنى الصبر، وأخذ يطرح بأسئلته الكثيرة.
فقال:
مالذي أتى بك إلى هنا؟
فلم أجبه وأنا منكب على رأسي.
ثم قال: " قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله ".
رفعت جسدي وقلت: أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمد رسول الله.
فقال: أثبت عليها، ووضع يده على كتفي.
ثم قال: بماذا ترغب الآن؟
فقلت: أرغب في بعض الوقت، وأن تمهلوني أياما قبل التنفيذ.
خرج الليل من بيته يتفقد حال شعبه ويلم الأخبار الملونه الكاذبة، وصوت الكلاب في كل مكان، فوقي ومن تحتي رقرقعت الصرصار.
وإني في الغرفة المقرفة وحدي أتضجر بائسا ليس معي غير السكين والنافذة الصغيرة التي يطل منها القمر بعد منتصف الليل، وفراشة صغيرة بيضاء مضيئة تضيئ كلما خالطت ضوء القمر المبكوت.
وأنا جالس أخذت الأصوات تتعالى
"...مالذي أتى بك إلى هنا؟
حتى ظننت أني شاب منحرف يحب الإنحراف.
فقلت: هكذا حظي أحمق.. مثلي..!
فماذنبي إن عشقت الحب والقصيدة ، وماذنبي إن ارتكبت حبيبتي أعظم جريمة...؟
فسمعته يقول: وما نوع الجريمة؟
فقلت: أرجوك أن تدعني وشأني، وأن تدع سكيني إلى جانبي يقطعني بعضي.
فقال: هون على نفسك وقل ماخطبك..؟
فقلت: عشقت.
فقال: ومن لا يعشق.
فقلت: هناك من في الأرض لايعرفونه.
فقال: أوصفهم لي..!
فقلت: كيف وبما أبدأ..
بشفتيها..
أنهار من اللبن العذب مصفى أصفى من أديم السماء التي تنتصب فيها جداول الكوثر كلما جرعت منهما جرعة جرعت ماء الحياة، هما جداول تتحلى حوافها بخيوط من العسل اللذيذ الشهي كلما ذقتها عمت في نشوة خمرية مهذية، جداول من الأشجار والأنهار، والأنهار فيها سطور من نور وأحرف بيضاء تلتف حول زجاجة العنبر التي يخترقها غدير جميل تتكاثر حوله الزهور والفراش الراقص حول البلعوم الطويل الذي يمتد وكأنه عود من قصب السكر، فكلما نطقت بالهوى تسايلت قطرات المحبة، وكلما شعرت بضجر العيش ومرارتها، كنت أقترب من صورتها لأمضغ منها قطعت سكر أحلي بها مرارتي وأقتل يأسي العنيد، والبساط الأحمر الطري الشفاف لسانها التي تستريح عليه الكلمات وتتلون بجماله السطور على الأسنان اللامعة والمتالألئة وسط الظلام وكأنها أحجار ثمينه في الرمال الكثيفة المبتلة.
أم بخديها..
سواحل تزهو وتزدهر بالورود الحمراوية والصفراء البيضاوية والإرجوانية الزهرية الخمرية وألوان كثيرة متشابكة من العنف الشديد والكبرياء، وسهول متلاطخة الأشكال والأنوار كالبادية الخضراء التي يجول فيها الأطفال محبين للذئاب والضباع الرقطاء، سهول فيها صفحات من الذهب المتأجج والملتهب كاللهب للحب المكسور، وتكثر أكواب من البلور التي تشع عفة كالنور، وأقفاص للحمائم والنسور، فيها خدم حسان جميلون تنتقل معهم محاسنهم وأخلاقهم من مكان إلى مكان، والحياء وراءهم مختبئ في غرف الصيف والأمان،في تلك الغرف أناس أشداء عظماء، يضعون السيف موضع الندى ويضعون الندى موضع القدر، كالأفعى عمياء التي تتلوى في طريقها إلى الرصيف وكأنها ترسم خطا متعرجا يسلكه الناجون من سخط القدر وجنوده الأوفياء.
أم بأنفها الصغير..
الملتف كجرة صغيرة من الرحيق الممزوج بماء من واحة الحياء والمزروعة بأرض الحب الطاهر البرئ الذي لا يشوبها الأغراض والغايات، ولا تحيطه الريب والشكوك، فلطالما إشتاق القلب إفتخارا على كبريائها الذي يذوب فيه الحياء بين أجزائها الأنيقة التي تخشى أن تطلعنا على سريرة أناقتها.
والعين..عسلية صفراوية، جملتا بالطبيعة واقحوانها، وأحيط مرساها بشواطئ مبللة بماء الذهب الذي يحرسه جنود جميلون وأقوياء يحفظون الوعود، جنود يشقون الأرض بسيوفهم، فينفجر العشق صاعدا صوبي، أو بسهم يوجه رأسه ليصيبني حبها الأعمى.
والرموش.. أصابع الأريج وأقدام الحرير المبتل بماء الصبر، ورموش المها الفارة من عالم الخيال الذي يهيج الشعر في القلوب، فيها السهام والرماح التي تخترق الجسد كنسائم الأسحار، والتي ترقص فوق الأزهار كلما غنت الأطيار غناء الأغاريد لا غناء الأوتار.
والحاجب.. نصف القمر المثير قد تفرقا على محاور عينيها حتى أصبحت رائعة خلابة، فيهما الأصالة المتناهية والعراقة، فيهم عبقرية خطاط إغريقي يرسمها وعرافة، فيهم إبداع نحات دفن نفسه بأغبرتها، أما الطبيعة بإتقانها ترشق الألوان بين تلك الشظايا.
والجبين.. عالم مليئ بالطيور الجميلة والأزهار الرشيقة من شتى المحاسن، فيه الأنهار والدماء ودموع الفرح والشقاء، فيه الأعاصير والسحب والغمام، فيه شموسها الصفراء والبيضاء والحمراء وكل الأقمار السوداء المستوية.
أذنيها.. كالورد الجوري الملتف بداخلها نحلة طفولية جميلة سامة تقتل خيانة عينيها، فيهما الأعاصير الهادئة والنسائم الخفيفة التي يغمرها الندى ورقائق التنور، فيهما اللحن البسيط والجميل والمزامير المزمرة المدمرة، فيهما لغتي وصوتي وعشقي وصوري.
والوجه الجميل.. ملتف كمرآة السماء في ليلة القدر الصافية، فوق البساتين الزاهيه والقصور العامرة، وفوق الأحجار والأوراق والطرق الشائكة، والأشجار الطويلة اللامعة تتلألأ حول بقعتها ككوكب منير في بقعته الزرقاء، وجه جميل جماله سبق العلماء فهو من طرق أولا أفلاك السماء، هو رائع ومثير كوجه النسر مدهش يربط نفسه بجسد امرأة حسناء، طري شهي متسع لا تزوره الأ نجوم ملساء، فتودعها الأسرار، وتترك خبرا من السماء متى تخرج الشموس ومتى تسقط الأمطار على عالمها، وعالم الطيور والأقمار، فالأعشاش والأعارين والأوكار والينابيع وأضواء المصابيح والظلام والسعادة والأسرار وأقلام الشفتين وألغاز كثيرة ومفاتيح.
والشعر.. خيوط القيثارة وأوتار النغم العذب، يتمازج فيه العشق مابين الرقص والحياء، تتلاعب فيه النسائم والأنامل، خصلات ذهبية خروبية مبرومة كالعقد الجميل، هما سيف القضاء جرد لأكون صاحبه، وهي خيوطا جدلت على يد الدهر، فاشقراره يبدد ظلمة النفس، ويعكس كل بياض فيضئ كل شئ حوله، هو رمز التاريخ الحر، وهو أقدار يفتح باب القضاء، وهو حبال تشنقني بها كلما إشتقت إليها، وكأنها ترسل نداءا إلي بأن لا أشتاق.
والعنق الطويل.. قطعة صبرت على مرارتها حق الصبر، فذقت من حلاوته ما تقطع لأجله أعناق الرجال الرجال، إنه قمة سامية تسمو إلى أرقى درجات العشق، وتبلغ من خلاله صفة الإبداع والإتقان لذلك سبحان الله العظيم.. سبحان الله وما صنع.
والأكتاف.. البيضاء النحيلة الفولاذية، يتمايلان كلما شعرت بالخجل كأغصان النخيل، ويمارسان الرقص كالستائر في لحظات الدلال، فيهما إشارة للنصر والإعتزاز، وهما علامة للحب وساعات الإنتحار.
والأذرع الملساء.. سيوف الأقدار وكؤوس الأقمار، وأقلام كتب الزمان به آخر قرار، وأسلحة يلوذ منها الأعداء بالفرار، أياد كالقلائد، وسحب تسابقت إليها الأمطار، أياد وأنامل كحبات التمر عسلية، وأزهار تكون حروفا كتابية.
جسمها كحورية شفافة تقف على أمواج البحار مغنية بمزمارها الذهبي، أو أنها أفعى تلتف حول عود خشبي، لتقتل نفسي كلما رأيت محياها، ذكية ذكاؤها دفعها إلى الجريمة العظمى، فكان شجاعا إذا قتل، وذكيا فطنا إذا سرق، وكثيرا مايحب أن يرى صورة وجهه في مرآته وجها أبيضا سليما، ثم يتمنى لو دام هذا الجمال، فجمالها من أرباب الثراء والنعمة، وجسمها يضم بين جناحيه فتاة ماضمت الأجسام بين أجنحتها مثيلا بحسنه وبهائه وصفوه، لذلك وقع بي ألما من الوجد مالم أستطع معه صبرا.
والنفس.. التي لم تزل مجهولة، فما رأيت أشبه بالسواد من بياضها، ولم أرى نورا أقرب إلى الظلمة من نورها، لذلك بغضت كل بياض حتى وإن كان بياض القمر، وبغضت كل سواد ونور وإن كان نور البصر.
والعواطف.. لديها دفينة دفينه، وحجرية قاسية، تتألم لمناظر البؤس ومصارع الشقاء، فهي لاتعرف الحقد والدهاء، فحبها المكنوز بداخلها وجمالها الظاهر قد أوقع بي حيث أنا لتمتلكني فأحببتها ولأجلها أحببت صديقاتها وأحببت عائلتها.
وقدرها.. أحبه أيضا لأنه أحب قدري، فنصب إلي مكيدة الحب لينقلني من عالم الأموات والمجهولين إلى عالم الأحياء العالمين، لا بل طمر حفرة القبر التي كادت تلمني بداخلها، كان علي أملا ضئيل كمصباح ضئيل، ذلك القدر تبا له لم يهدأ ساعة ولا لحظة عن تصديع رأسي وتمزيق فؤادي بصواعقه التي يمطرها علي دموعا كل يوم من سماء الصحف التي إن إنتهيت من كتابة إحداها... بدأت بالأخرى.
ثم سمعته يقول:
" كفى يابني كفى فقد صدعت رأسي.. رغم أني أفهم ماقلت إلا أنني حزنت عليك فعلا -ثم قال-على هذا الوصف يابني
هنيئا لك السجن الذي تكابده، وهنيئا لك كل ظلام وسواد، مادمت أنت هاهنا ".
وفي صباح اليوم التالي جاءت الساعة التي ينتظرها الجميع، ووقوفي أماما الحشد والعيون ممتلئة بالغبار والدمع، وأنا أستغفر ربي وأردد قولي:
دنيتي.. دنيتي...
كيف يطيب لي المقام في أرض موحشة لا أجد فيها أنيسا يساهرني غير أنيسي وأنيسك وأنيس حبيبتي غير هذا القمر؟
وكيف لا أجد فيها جليسا يجالسني غير أنيسي وأنيسك وأنيس حبيبتي غير هذا القلم ؟
وسقط عرش ذلك الشاب وذاب بعد أن قطع حبل المصيدة الملتف حول العنق في الصحراء الشقراء.
ثم قال الشيخ بعدها:
تلك حبيبته رأيتها يوم قرأت:
" مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى ".
ثم دار ظهره وتلاشى ذلك الجسد رويدا.. رويدا.
وربما كما قيل: " أن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان".
عاااااااااااااااشق الاحزاااااااااااااااااان
الإثنين مارس 02, 2015 1:18 am من طرف الشامخ الكثيري
» دعــــاء
الأحد يناير 04, 2015 4:37 pm من طرف ريتاج
» شرح كيفيه دخول رومات الشات عن طريق برنامج النمبز nimbuzz من جهاز الكمبيوتر
الجمعة أكتوبر 12, 2012 7:01 am من طرف زمن المصالح
» توقف القلم
الخميس ديسمبر 22, 2011 1:26 pm من طرف دمعة فرح
» معلــــومه+صورة لنتشارك
الثلاثاء ديسمبر 20, 2011 8:47 pm من طرف دمعة فرح
» رحيلك ياأمي
الثلاثاء نوفمبر 29, 2011 6:41 am من طرف دمعة فرح
» اهنيكم بعيدنا الفطر السعيد
الثلاثاء أغسطس 30, 2011 9:43 am من طرف دمعة فرح
» حنظله غسيل الملائكه رضى الله عنه
الثلاثاء يوليو 19, 2011 5:28 pm من طرف دمعة فرح
» اي نوع قلمك ؟؟؟
الخميس يونيو 09, 2011 1:53 pm من طرف دمعة فرح
» ترويض الكلب ( قصيرة )
الإثنين مايو 30, 2011 6:56 am من طرف ماهر طلبه